فصل: ذكر وفاة محمد بن عبد الرحمن وولاية ابنه المنذر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكرعدة حوادث

وفيها في جمادى الأولى توفي هارون بن الموفق ببغداد‏.‏

وفيها كان فداء أهل سندية على يد بازمار‏.‏

وفيها في شعبان شغب أصحاب أبي العباس بن الموفق على صاعد بن مخلد وهووزير الموفق وطلبوا الأرزاق وقاتلهم أصحاب صاعد وكان بينهم حرب شديدة قتل فيها جماعة وأسر من أصحاب أبي العباس جماعة ولم يكن أبوالعباس حاضرا كان قد خرج متصيدا ودامت الحرب إلى بعد المغرب ثم كف بعضهم عن بعض ثم وضع العطاء من الغد واصطلحوا‏.‏

وفيها كانت وقعة بين إسحاق بن كنداجيق وبين ابن دعباش وكان ابن دعباش بالرقة عاملًا عليها وعلى الثغور والعواصم لابن طولون وابن كنداجيق على الموصل للخليفة‏.‏

وفيها ابتدأ إسماعيل بن موسى بناء مدينة لاردة من الأندلس وكان مخالفًا لمحمد صاحب الأندلس ثم صالحه في العام الماضي فلما سمع صاحب برشلونة الفرنجي جمع وحشد وسار يريد منعه من ذلك فسمع به إسماعيل فقصده وقاتله فانهزم المشركون وقتل أكثرهم وبقي أكثر القتلى في تلك الأرض دهرًا طويلًا‏.‏

وفيها توفي محمد بن إسحاق بن جعفر الصاغاني الحافظ ومحمد بن مسلم بن عثمان المعروف بابن واره الرازي وكان إمامًا في الحديث وله فيه مصنفات‏.‏

وفيها توفي داود بن علي الاصبهاني الفقيه إمام أصحاب الظاهر وكان مولده سنة اثنتين

وفيها توفي مصعب بن أحمد بن مصعب أبواحمد الصوفي الزاهد وهومن أقران الجنيد‏.‏

وفيها مات ملك الروم وهوابن الصقلبية وحج بالناس هارون بن محمد بن محمد بن إسحاق بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله ابن العباس‏.‏

وفيها توفي خالد بن أحمد بن خالد السدوسي الذهلي الذي كان أمير خراسان ببغداد وكان قد قصد الحج فقبض عليه الخليفة المعتمد وحبسه فمات بالحبس وهوالذي أخرج البخاري صاحب الصحيح من بخارى وخبره معه مشهور فدعا عليه البخاري فأدركته الدعوة‏.‏

  حوادث سنة إحدى وسبعين ومائتين

  ذكر خلاف محمد وعلي العلويين

في هذه السنة دخل محمد وعلي ابنا الحسين بن جعفر بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المدينة وقتلا جماعة من أهلها وأخذا من قوم مالا ولم يصل أهل المدينة في مسجد رسول الله صلى اله عليه وسلم لا جمعة ولا جماعة فقال الفضل بن العباس العلوي في ذلك‏:‏ أخربت دار هجرة المصطفى الب ر فأبكى خراببها المسلمينا

وعلى المسجد الذي اسه التق وى خلاءً امسى من العابدينا وعلى طيبة التي بارك الل ه عليها بخاتم المرسلينا

  ذكر عزل عمرو بن الليث عن خراسان

وفيها ادخل المعتمد إليه حاج خراسان وأعلمهم أنه قد عزل عمروبن الليث عما كان قلده ولعنه بحضرتهم وأخبرهم أنه قلد خراسان محمد ابن طاهر وأمر أيضًا بلعن عمروعلى المنابر فلعن فسار صاعد بن مخلد إلى فارس لحرب عمرو فاستخلف محمد بن طاهر رافع بن هرثمة على خراسان فلم يغير السامانية عما وراء النهر‏.‏

  ذكر وقعة الطواحين

وفي هذه السنة كانت وقعة الطواحين بين أبي العباس المعتضد وبين خماريه ابن أحمد بن طولون‏.‏

وسبب ذلك أن المعتضد سار من دمشق بعد أن ملكها نحوالرملة إلى عساكر خمارويه فأتاه الخبر بوصول خمارويه إلى عساكره وكثرة من معه من الجموع فهم بالعود فلم يمكنه من معه من أصحاب خمارويه الذين صاروا معه وكان المعتضد قد أوحش ابن كنداجيق وابن أبي الساج ونسبهما إلى الجبن حيث انتظراه ليصل إليهما ففسدت نياتهما معه‏.‏

ولما وصل خمارويه إلى الرملة نزل على الماء الذي عليه الطواحين فملكه فنسبت الوقعة إليه ووصل المعتضد وقد عبأ أصحابه وكذلك أيضًا فعل خمارويه وجعل له كمينًا عليهم سعيدًا الأيسر وحملت ميسرة المعتضد على ميمنة خمارويه فانهزمت فلما رأى ذلك خمارويه ولم يكن رأى مصافًا قبله ولى منهزمًا في نفر من الأحداث الذين لا علم لهم بالحرب ولم يقف دون مصر‏.‏

ونزل المعتضد إلى خيام خمارويه وهولا يشك في تمام النصر فخرج الذين عليهم سعيد الأيسر وانضاف إليه من بقي من جيش خمارويه ونادوا بشعارهم وحملوا على عسكر المعتضد وهم مشغولون بنهب السواد ووضع المصريون السيف فيهم وظن المعتضد أن خمارويه قد عاد فركب فانهزم ولم يلوعلى شيء فوصل إلى دمشق ولم يفتح له أهلها بابها فمضى منهزمًا حتى بلغ طرسوس وبقي العسكران يضطربان بالسيوف وليس لواحد منهما أمير‏.‏

وطلب سعيد الأيسر خمارويه فلم يجده فأقام أخاه أبا العشائر وتمت الهزيمة على العراقيين وقتل منهم خلق كثير وأسر كثير‏.‏

وقال سعيد لعساكر‏:‏ إن هذا أخوصاحبكم وهذه الأموال تنفق فيكم ووضع العطاء فاشتغل الجند عن الشغب بالأموال وسيرت البشارة إلى مصر ففرح خمارويه بالظفر وخجل للهزيمة غير أنه أكثر الصدقة وفعل مع الأسرى فعلة لم يسبق إلى مثلها أحد قبله فقال لأصحابه‏:‏ إن هؤلاء أضيافكم فأكرموهم ثم أحضرهم بعد ذلك وقال لهم‏:‏ من اختار المقام عندي فله الإكرام والمواساة ومن أراد الرجوع جهزناه وسيرناه فمنهم من قام ومنهم من سار مكرمًا وعادت عساكر خمارويه إلى الشام أجمع فاستقر ملك خمارويه له‏.‏

  ذكر الحرب بين عسكر الخليفة وعمرو الصفار

في هذه السنة عاشر ربيع الأول كانت وقعة بين عساكر الخليفة وفيها أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف وبين عمروبن الليث الصفار ودامت الحرب من أول النهار إلى الظهر فانهزم عمرووعساكره وكانوا خمسة عشر ألفًا بين فارس وراجل وجرح الدرهمي مقدم جيش عمروبن الليث وقتل مائة رجل من حماتهم واسر ثلاثة آلاف أسير واستأمن منهم ألف رجل وغمنوا من معسكر عمرومن الدواب والبقر والحمير ثلاثين ألف رأس وما سوى ذلك فخارج عن الحد‏.‏

  ذكر حروب الأندلس وإفريقية

في هذه السنة سير محمد صاحب الأندلس جيشًا مع ابنه المنذر إلى مدينة بطليوس فزال عنها ابن مروان الجليقي وكان مخالفا كما ذكرنا وقصد حصن أشير غوة فتحصن به فأحرق

المنذر بطليوس وسير محمد أيضًا جيشًا مع هاشم بن عبد العزيز إلى مدينة سرقسطة وبها محمد بن لب بن موسى فملكها هاشم واخرج منها محمدا وكان معه عمروبن حفصون الذي ذكرنا خروجه على صاحب الأندلس فصالحه‏.‏

فلما عادوا إلى قرطبة هرب عمر بن حفصون وقصد بربشتر مخالفا فاهتم صاحب الأندلس به على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها سارت سرية للمسلمين عظيمة بصقلية إلى رمطة فخربت وغمنت وسبت وأسرت كثيرًا وعادت‏.‏

وتوفي أمير صقلية وهوالحسين بن أحمد فولي بعد سوادة بن محمد ابن خفاجة التميمي وقدم إليها فسار عسكر كبير إلى مدينة قطانية فأهلك ما فيها وسار إلى طبرمين فقاتل أهلها وأفسد زرعها وتقدم فيها فأتاه رسول بطريق الروم يطلب الهدنة والمفاداة فهادنه ثلاثة أشره وفاداه ثلاثمائة أسير من المسلمين فرجع سوادة إلى بلرم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة عقد لأحمد بن محمد الطائي على المدينة وطريق مكة فوثب يوسف بن أبي

الساج وهووالي مكة على بدر غلام الطائي وكان أميرًا على الحاج فحاربه وأسره فثار الجند والحاج بيوسف فقاتلوه واستنقذوا بدرا وأسروا يوسف وحملوه إلى بغداد وكانت الحرب بينهم على أبواب المسجد الحرام‏.‏

وفيها خربت العامة الدير العتيق الذي نهر عيسى وانتهبوا ما فيه وقلعوا أبوابه فسار إليهم الحسين بن إسماعيل صاحب شرطة بغداد من قبل محمد بن طاهر فمنعهم من هدم ما بقي منه وكن يتردد هووالعامة إليه أياما حتى كاد أن يكون بينهم حرب ثمبني ما هدم بعد أيام وكانت إعادة بنائه عبدون أخي صاعد بن مخلد‏.‏

وحج بالناس هارون بن إسحاق‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن محمد بن منصور البصري‏.‏

  حوادث سنة اثنتين وسبعين ومائتين

  ذكر الحرب بين اذكوتكين ومحمد بن زيد العلوي

في هذه السنة منتصف جمادى الأولى كانت حرب شديدة بين أذكوتكين وبين محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان ثم سار أذكوتكين من قزوين إلى الري ومعه أربعة آلاف فارس وكان مع محمد بن زيد من الديلم والطبرية والخراسانية عالم كبير فاقتتلوا فانهزم عسكر محمد

بن زيد وتفرقوا وقتل منهم ستة آلاف وأسر ألفان وغمن أذكوتكين وعسكره من أثقالهم وأموالهم ودوابهم شيئًا لم يروا مثله ودخل أذكوتكين الري فأقام بها وأخذ من أهلها مائة ألف ألف دينار وفرق عماله في أعمال الري‏.‏

  ذكر عدة حوادث

فيها وقع بين أبي العباس بن الموفق وبين بازمار بطرسوس فثار أهل طرسوس بأبي العباس فأخرجوه فسار إلى بغداد في النصف من المحرم‏.‏

وفيها توفي سليمان بن وهب في جيش الموفق في صفر‏.‏

وفيها خرج خارجي بطريق خراسان وسار إلى دسكرة الملك فقتل‏.‏

وفيها دخل حمدان بن حمدون وهارون الشاري مدينة الموصل وصلى بهم الشاري في جامعها‏.‏

وفيها نقب المطبق من داخله وأخرج منه الدوباني العلوي وفتيان معه فركبوا دواب أعدت لهم وهربوا فأغفلت أبواب بغداد فأخذ الدوباني ومن معه فأمر الموفق وهو بواسط أن تقطع يده ورجله من خلاف فقطع‏.‏

وفيها قدم صاعد بن مخلد ن فارس إلى واسط فأمر الموفق جميع القواد أن يستقبلوه فاستقبلوه وترجلوا له وقبلوا يده وهولا يكلمهم كبرًا وتيها ثم قبض الموفق عليه وعلى جميع أهله وأصحابه ونهب منازلهم بعد أيام وكان قبضه في رجب وقبض ابناه أبوعيسى وصالح وأخوه عبدون ببغداد واستكب مكانه أبا الصقر إسماعيل بن بلبل واقتصر به على الكتابة دون غيرها‏.‏

وفيها نزل بنوشيبان ومن معهم بين الزانين من أعمال الموصل وعاثوا في البلد وأفسدوا وجمع هارون الخارجي على قصدهم وكتب إلى حمدان ابن حمدون التغلبي في المجيء إليه إلى الموصل فسار هارون نحوالموصل وسار حمدان ومن معه إليه فعبروا إليه بالجانب الشرقي من دجلة وساروا جميعًا إلى نهر الخازر وقاربوا حلل بني شيبان فواقعته طليعة لبني شيبان على طليعة هارون فانهزمت طليعة هارون وانهزم هارون وجلا أهل نينوى عنها إلا من تحصن بالقصور‏.‏

وفيها زلزلت مصر في جمادى الآخرة زلزلة شديدة أخربت الدور والمسجد الجامع وأحصي بها في يوم واحد ألف جنازة‏.‏

وفيها غلا السعر ببغداد وكان سببه أن أهل سامرا منعوا من انحدار السفن بالطعام ومنع

الطائي أرباب الضياع من الدياس ليغلوا الأسعار ومنع أهل بغداد عن سامرا الزيت والصابون وغير ذلك واجتمعت العامة ووثبوا بالطائي فجمع أصحابه وقاتلهم فجرح بينهم جماعة وركب محمد بن طاهر وسكن الناس وصرفهم عنه‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن برية الهاشمي في شوال‏!‏ وعبيد الله بن عبد الله الهاشمي‏.‏

وفيها تحركت الزنج بواسط وصاحوا‏:‏ انكلاي يا منصور وكان هووالمهلبي وسليمان بن جامع وجماعة من قوادهم في حبس الموفق ببغداد وكتب الموفق بقتلهم فقتلوا وأرسلت رؤوسهم إليه وصلبت أبدانهم ببغداد‏.‏

وفيها صلح أمر مدينة رسول الله ـ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ وتراجع الناس إليها‏.‏

وفيها غزا الصائفة بازمار وحج بالناس هارون بن محمد بن إسحاق‏.‏

وفيها سير صاحب الأندلس إلى ابن مروان الجليقي وهوبحصن أشير غرة فحصروه وضيقوا عليه وسير جيشًا آخر إلى محاربة عمر بن حفصون بحصن بربشتر‏.‏

وفيها انقضت الهدنة بين سوادة أمير صقلية والروم فأخرج سوادة السرايا إلى بلد الروم بصقلية فغمنت وعادت‏.‏

وفيها قدم من القسطنطينية بطريق يقال له انجفور في عسكر كبير فنزل على مدينة سبرينة

فحصرها وضيق على من بها من المسلمين فسلموها على أمان ولحقوا بأرض صقلية ثم وجه انجفور عسكرًا إلى مدينة منتيه فحصروها حتى سلمها أهلها بأمان إلى بلرم من صقلية‏.‏

وفيها مات أبوبكر محمد بن صالح بن عبد الرحمن الأمناطي المعروف بكنجلة وهومن أصحاب يحيى بن معين وهولقبه‏.‏

وفيها توفي أحمد بن عبد الجبار بن محمد بن عطارد العطاردي التميمي وهويروي مغازي ابن إسحاق عن يونس عن ابن إسحاق ومن طريقه سمعناه‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن الوليد بن الخشخاش‏.‏

وفيها توفي شعيب بن بكار الكاتب وله حديث عن أبي عاصم النبيل‏.‏

  حوادث سنة ثلاث وسبعين ومائتين

  ذكر اختلاف بين ابن أبي الساج وابن كنداج والخطبة بالجزيرة لابن طولون

في هذه السنة فسد الحال بين محمد بن أبي الساج وإسحاق بن كنداج وكانا متفقين في الجزيرة‏.‏

وسبب ذلك أن ابن أبي الساج نافر إسحاق في الأعمال وأراد التقدم وامتنع عليه إسحاق فأرسل ابن أبي الساج إلى خمارويه بن احمد بن طولون صاحب مصر وأطاعه وصار معه وخطب له بأعماله وهي قنسرين وسير ولده ديوداد إلى خمارويه رهينةً فأرسل إليه خمارويه مالًا جزيلًا له ولقواده‏.‏

وسار خمارويه إلى الشام فاجتمع هووابن أبي الساج ببالس وعبر ابن أبي الساج الفرات إلى الرقة فلقيه ابن كنداج وجرى بينهما حرب انهزم فيها ابن كنداج واستولى ابن أبي الساج على ما كان لابن كنداج وعبر خمارويه الفرات ونزل الرافقة ومضى إسحاق منهزماُ إلى قلعة ماردين فحصره ابن أبي الساج وسار عنها إلى سنجار فأوقع بقوم من الأعراب وسار ابن كنداج من ماردين نحوالموصل فلقيه ابن أبي الساج ببرقعيد فكمن كمينا فخرجوا على ابن كنداج وقت القتال فانهزم عنها وعاد إلى ماردين فكان فيها وقوي ابن أبي الساج وظهر أمره واستولى على الجزيرة والموصل وخطب لخمارويه فيها ثم لنفسه بعده‏.‏

  ذكر وقعة بين عسكر ابن أبي الساج والشراة

لما استولى ابن أبي الساج على الموصل أرسل طائفة من عسكره مع غلامه فتح وكان شجاعًا وكان اليعقوبية الشراة بالقرب منه فأرسل إليهم فهادنهم وقال‏:‏ إمنا مقامي بالمرج مدة يسيرة ثم أرحل عنه‏.‏

فسكنوا إلى قوله وتفرقوا فنزل بعضهم بالقرب من سوق الأحد فأسرى إليهم فتح في السحر فكبسهم وأخذ أموالهم وانهزم الرجال عنه‏.‏

وكان باقي اليعقوبية قد خرجوا إلى أصحابهم الذين أوقع بهم فتح من غير أن يعلموا بالوقعة فلقيهم المنهزمون من أصحابهم فاجتمعوا وعادوا إلى فتح فقاتلوه وحملوا حملة رجل واحد فهزموه وقتلوا من أصحابه ثماني مائة رجل وكان أصحابه ألف رجل فأفلت في نحومائة رجل وتفرق مائة في القرى واختفوا وعادوا إلى الموصل متفرقين وأقاموا بها‏.‏

  ذكر وفاة محمد بن عبد الرحمن وولاية ابنه المنذر

في هذه السنة توفي محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي صاحب الأندلس لخ صفر وكان عمره نحوًا من خمس وستين سنة وكانت ولايته أربعًا وثلاثين سنة وأحد عشر شهرًا وكان أبيض مشربًا بحمرة ربعة أوقص يخضب بالحناء والكتم وخلف ثلاثة وثلاثين ولدًا ذكورا وكان ذكيا فطنًا بالأمور المشتبهة متعانيًا منها‏.‏

ولما مات ولي بعده ابنه المنذر بن محمد بويع له بعد موت أبيه لثلاث ليال وأطاعه الناس وأحسن إليهم‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها أيضًا وقعة بالرقة في جمادى الأولى بين إسحاق بن كنداجيق وبين محمد بن أبي الساج فانهزم إسحاق ثم كانت بينهما وقعة أخرى في ذي الحجة فانهزم إسحاق أيضًا‏.‏

وفي هذه السنة وثب أولاد ملك الروم على أبيهم فقتلوه وملك أحدهم بعده‏.‏

وفيها قبض الموفق على لؤلؤ غلام ابن طولون الذي كان قدم عليه بالأمان حين كان يقاتل الزنج بالبصرة ولما قبضه قيده وضيق عليه وأخذ منه أربع مائة ألف دينار فكان لؤلؤ يقول‏:‏ ليس لي ذنب إلا كثرة مالي ولم تنزل أموره في إدبار إلى أن افتقر ولم يبق له شيء ثم عاد إلى مصر في آخر أيام هارون بن خمارويه فريدًا وحيدا بغلام واحد فكان هذا ثمرة العقل السخيف وكفر الإحسان‏.‏

وحج بالناس فيها هارون بن محمد بن إسحاق‏.‏

وفيها ثار السودان بمصر وحصروا صاحب الشرطة فسمع خمارويه ابن أحمد بن طولون

الخبر فركب وفي يده سيف مسلول وقصد دار صاحب الشرطة وقتل كل من لقيه من السودان فانهزموا منه وأكثر القتل فيهم وسكنت مصر وأمن الناس‏.‏

وفيها مات أبوداود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب كتاب السنن ومحمد بن زيد بن ماجة القزويني وله أيضًا كتاب السنن وكان عاقلا إمامًا عالمًا وتوفي الفتح بن شحرق أبوداود الكشي الصوفي وكان موته ببغداد وهومن أصحاب الأحوال الشريفة وتوفي حنبل بن إسحاق‏.‏

  حوادث سنة أربع وسبعين ومائتين

  ذكر الحرب بين عسكر عمرو بن الليث وبين عسكر الموفق

في هذه السنة سار الموفق إلى فارس لحرب عمروبن الليث الصفار فبلغ الخبر إلى عمرو فسير العباس بن إسحاق في جمع كبير من العسكر إلى سيراف وأنفذ ابنه محمد بن عمروإلى أرجان وسير أبا طلحة شركب صاحب جيشه على مقدمته فاستأمن أبوطلحة إلى الموفق وسمع عمروذلك فتوقف عن قصد الموفق‏.‏

ثم إن أبا طلحة عزم على العود إلى عمرو فبلغ الموفق خبره فقبض عليه بقرب شيراز وجعل ماله لابنه المعتضد أبي العباس وسار يطلب عمرا فعاد عمروإلى كرمان ومنها إلى سجستان على المفازة فتوفي ابنه محمد بالمفازة ولم يقدر الموفق على اخذ كرمان وسجستان من عمروفعاد عنه‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة غزا بازمار فأوغل في أرض الروم فأوقع فيها بكثير من أهلها وقتل وغمن وسبى وأسر وعاد سالمًا إلى طرسوس‏.‏

وفيها دخل صديق الفرغاني دور سامرا فنهبها وأخذ أموال التجار منها وأفسد وكان صديق هذا يحفر الطريق ويحميه ثم صار يقطعه‏.‏

وحج بالناس هارون بن محمد‏.‏

وفيها توفي أبوالعباس بن الكبش بن المتوكل وكان قد حبسه أخوه المعتمد ثم أطلقه‏.‏

وفيها توفي الحسن بن مكر وعلي بن عبد الحميد الواسطي‏.‏

وفيها جمع إسحاق بن كنداج جمعًا كثيرًا وسار نحوالشام فبلغ الخبر خمارويه فسار إليه وقد عبر الفرات فالتقيا وجرى بين الطائفتين قتال شديد انهزم فيه إسحاق هزيمة عظيمة لم يرده شيء حتى عبر الفرات وتحصن بها وسار خمارويه إلى الفرات فعمل جسرا فلما علم إسحاق بذلك سار من هناك إلى قلاع له قد أعدها وحصنها وأرسل إلى خماريه يخضع له ويبذل له الطاعة في جميع ولايته وهي الجزيرة وما والاها فأجابه إلى ذلك‏.‏

وصالحه ابن أبي الساج وجمع جمعًا كثيرأن وسار نحوالشام قاصدًا منازعة خمارويه حيث كان أبعد إلى مصر فبلغ الخبر خمارويه فخرج عن مصر في عساكره فالتقيا في البثينة من أعمال دمشق فاقتتلا قتالًا عظيمأن فانهزم ابن أبي الساج وعاد منهزمًا حتى عبر الفرات فأحضر خمارويه ولد ابن أبي الساج وكان رهينة عنده فخلع عليه وسيره إلى أبيه وعاد إلى مصر‏.‏

  حوادث سنة خمس وسبعين ومائتين

  ذكر الاختلاف بين خمارويه وابن أبي الساج

قد ذكرنا اتفاق ابن أبي الساج وخمارويه بن طولون وطاعة ابن أبي الساج له فلما كان الآن خالف ابن أبي الساج على خمارويه فسمع خمارويه الخبر فسار عن مصر في عساكره نحوالشام فقدم إليه آخر سنة أربع وسبعين فسار أبن أبي الساج إليه فالتقوا عند ثنية العقاب بقرب دمشق واقتتلوا في المحرم من هذه السنة وكان القتال بينهما فانهزمت ميمنة خمارويه وأحاط باقي عسكره بابن أبي الساج ومن معه فمضى منهزمًا واستبح معسكره وأخذت

وكان قد خلف بحمص شيئًا كثيرا فسير إليه خمارويه قائدًا في طائفة من العسكر جريدة فسبقوا ابن أبي الساج إليها ومنعوه من دخولها والاعتصام بها واستولوا على ما له فيها فمضى ابن أبي الساج منهزمًا إلى حلب ثم منها إلى الرقة فتبعه خمارويه ففارق الرقة فعبر خمارويه الفرات وسار في أثر ابن أبي الساج فوصل خمارويه إلى مدينة بلد وكان قد سبقه ابن أبي الساج إلى الموصل‏.‏

فلما سمع ابن أبي الساج بوصوله إلى بلد سار عن الموصل إلى الحديثة وأقام خمارويه ببلد وعمل له سريرًا طويل الأرجل فكأنه يجلس عليه في دجلة هكذا ذكر أبوزكرياء يزيد بن إياس الأزدي الموصلي صاحب تاريخ الموصل‏:‏ أن خمارويه وصل إلى بلد وكان إمامًا فاضلًا عالمًا بما يقول وهويشاهد الحال‏.‏

  ذكر الحرب بين ابن كنداج وابن أبي الساج

لما انهزم ابن كنداج من ابن أبي الساج كما ذكرناه أقام إلى أن انهزم ابن أبي الساج من خمارويه فلما وافى خمارويه بلدًا أقام بها وسير مع إسحاق بن كنداج جيشًا كثيرا وجماعة من القواد ورحل يطلب ابن أبي الساج فمضى بين يديه وابن كنداج يتبعه إلى تكريت فعبر ابن

أبي الساج دجلة وأقام ابن كنداج وجمع السفن ليعمل جسرًا يعبر عليه وكان يجري بين الطائفتين مراماة‏.‏

وكان ابن أبي الساج في نحوألفي فارس وابن كنداج في شعرين ألفا فلما رأى ابن أبي الساج اجتماع السفن سار عن تكريت إلى الموصل ليلا فوصل إليها في اليوم الرابع فنزل بظاهرها عن الدير الأعلى وسار ابن كنداج يتبعه فوصل إلى العزيق فلما سمع ابن أبي الساج خبره سار إليه فالتقوا واقتتلوا عند قصر حرب فاشتد القتال بينهم وصبر محمد بن أبي الساج صبرًا عظيما لأنه كان في قلة فنصره الله وانهزم ابن كنداج وجميع عسكره ومضى منهزمًا‏.‏

وكان أعظم الأسباب في هزيمته بغيه فإنه لما قيل له‏:‏ إن ابن أبي الساج قد أقبل نحوك من الموصل ليقاتلك قال‏:‏ أستقبل الكلب‏!‏ فعد الناس هذا بغيًا وخافوا منه فلما انهزم وسار إلى القة تبعه محمد إليها وكتب إلى أبي أحمد الموفق يعرفه ما كان فيه ويستأذنه في عبور الفرات إلى الشام بلاد خمارويه فكتب إليه الموفق يشكره ويأمره بالتوقف إلى أن تصله الإمداد من عنده‏.‏

وأما ابن كنداج فإنه سار إلى خمارويه فسير معه جيشا فوصلوا إلى الفرات فكان إسحاق بن كنداج وابن أبي الساج بالرقة ووكل بالفرات من يمنع من عبورها فبقوا كذلك مدة‏.‏

ثم إن ابن كنداج سير طائفة من عسكره فعبروا الفرات في غير ذلك الموضع وساروا فلم تشعر طائفة عسكر ابن أبي الساج وكانوا طليعة إلا وقد أوقعوا بهم فانهزموا من عسكر إسحاق إلى الرقة فلما رأى ابن أبي الساج ذلك سار عن الرقة إلى الموصل فلما وصل إليها طلب من أهلها المساعدة بالمال وقال لهم‏:‏ ليس بالمضطر مروءة فأقام بها نحوشهر وانحدر إلى بغداد فاتصل بأبي أحمد الموفق في ربيع الأول من سنة ست وسبعين ومائتين فاستصحبه معه إلى الجبل وخلع عليه ووصله بمال وأقام ابن كنداج بديار ربيعة وديار مضر من أرض الجزيرة‏.‏

  ذكر الحرب بين الطائي وفارس العبدي

وفيها ظهر فارس العبدي في جمع فأخاف السبيل وسار إلى دور سامرا ونهب فسار إليه الطائي مقاتلا فهزمه الطائي وأخذ سواده ثم سار الطائي إلى دجلة ليعبرها فدخل طيارة له لأدركه بعض أصحاب فارس فتعلقوا بكوثل الطيارة فرمى الطائي نفسه في الماء وسبح فلما خرج منه نفض لحيته وقال‏:‏ أيش ظن العبدي أليس أنا أسبح من سمكة ثم نزل الطائي السن والعبدي بإزائه وقال علي بن بسام في الطائي‏:‏ قد أقبل الطائي ما أقبلا يفتح في الأفعال ما أجملا وجهد البلا ضرب من النافط يتعلك‏.‏

وفيها قبض الموفق على الطائي وقيده وختم على كل شيء له وكان يلي الكوفة وسوادها وطريق خراسان وسامرا والشرطة ببغداد وخراج بادوريا وقطربل ومسكن‏.‏

  ذكر قبض الموفق على ابنه المعتضد بالله

في هذه السنة في شوال قبض الموفق على ابنه المعتضد بالله أبي العباس أحمد‏.‏

وسبب ذلك أن الموفق دخل إلى واسط ونزل بها ثم عاد إلى بغداد وتخلف المعتمد على اله بالمدائن وأمر الموفق ابنه أن يسير إلى بعض الوجوه فقال‏:‏ لا أخرج إلا إلى الشام لأنها الولاية التي ولانيها أمير المؤمنين‏.‏

فلما امتنع عليه أمر بإحضاره فلما حضر أمر بعض خدمه أن يحبسه في حجرة في داره فلما قام المعتضد تقدم إليه الخادم وأمره بدخول تلك الدار فدخل ووكل بع فيها‏.‏

وثار القواد من أصحابه ومن تبعهم وركبوا واضطربت بغداد لما رأوا السلاح والقواد فركب الموفق إلى الميدان وقال لهم‏:‏ ما شأنكم أترون أشفق على ولدي مني وقد احتجت إلى تقويمه‏!‏ فانصرفوا‏.‏

في هذه السنة سار الطائي إلى سامرا بسب صديق فراسله وأمنه ودخل سامرا في جماعة من أصحابه فأخذهم الطائي وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وحملهم إلى بغداد‏.‏

وفيها غزا بازمار في البحر فغمن من الروم أربعة مراكب‏.‏

  ذكر استيلاء رافع بن هرثمة على جرجان

في هذه السنة سار رافع بن هرثمة إلى جرجان فأزال عنها محمد بن زيد وسار محمد إلى استراباذ فحصره فيها رافع وأقام عليه نحوسنتين فغلت الأسعار بحيث لم يوجد ما يؤكل وبيع وزن درهم ملح بدرهمين فضة وفارقها محمد بن زيد ليلًا في نفر يسير إلى سارية فسير إليه رافع عسكرا فتحاربا وسار محمد عن سارية وعن طبرستان وذلك في ربيع الأول سنة سبع وسبعين ومائتين واستأمن رستم بن قارن إلى رافع بطبرستان فصاهره ابن قوله‏.‏

وقدم على رافع وهوبطبرستان علي بن الليث وكان قد حبسه أخوه عمروبكرمان فاحتال حتى تخلص هووابناه المعدل والليث وأنفذ رافع إلى شالوس محمد بن هارون نائبًا عنه فأتاه بها علي بن كالي مستأمنا فأتاهما محمد بن زيد وحصرهما بشالوس وأخذ الطريق عليهما فلم يصل منهما إلى رافع خبر فلما تأخر خبرهما عنه أرسل جاسوسًا يأتيه بأخبارهما فعاد

إليه فأخبره بحصر محمد بن زيد إياهما بشالوس فعظم عليه وسار إليهما فرحل عنهما محمد بن زيد إلى أرض الديلم فدخل رافع خلفه أرض الديلم فخرقها حتى اتصل بحدود قزوين وعاد إلى الري وأقام بها إلى أن توفي الموفق في رجب سنة ست وسبعين ومائتين‏.‏

  ذكر وفاة المنذر بن محمد الأموي

وفيها في المحرم توفي المنذر بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي صاحب الأندلس وقيل في صفر وكانت ولايته سنة واحدة وأحد عشر شهرًا وعشرة أيام وكان عمره نحوًا من ست وأربعين سنة‏.‏

وكان أسمر طويلًا بوجهه أثر جدري جعدا كث اللحية وخلف ستى ذكرو وكان جوادًا يصل الشعراء ويحب الشعر‏.‏

ولما توفي بويع أخوه عبد اله بن محمد بويع له يوم موت أخيه وكنيته أبومحمد أمه أم ولد اسمها عشار توفيت قبل ابنها بسنة وفي أيامه امتلأت الأندلس بالفتن وصار في كل جهة متغلب ولم تزل كذلك طول ولايته‏.‏